top of page

تغييرات أساسية في وضع حقوق الإنسان في ظل الحرب - الجزء الأول



Gaza2023-by-Mariana-Blankia-Shatilstock-13178

تقرير جمعية حقوق المواطن المفصل حول التغييرات الأساسية في وضع حقوق الإنسان في إسرائيل والضفة الغربية في ظل الحرب.

الجزء الأول: ملاحقة المجتمع العربي

تعني الديمقراطيًة حماية حقوق الأقليات والحؤول دون طغيان الأغلبيًة. إلا أن الحكومة الحالية تُقاد من قبل سياسيين يؤمنون بالتفوّق اليهوديّ، ويتبنون أفكارًا عنصريّة. أول المتضررين من ممارسة هذه الأيديولوجيات المتطرّفة هو المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، الذي يعاني أصلاً من التّمييز والإهمال. منذ تشكيلها، تبنت الحكومة سياسة تمييزيًة وقمعيًة تجاه المجتمع العربي، تم التعبير عنها في وثيقة الخطوط العريضة لتشكيل الحكومة، وفي مجموعة من مشاريع القوانين التي روّج لها أعضاؤها. هذه السّياسة ازدادت عمقاً منذ اندلاع الحرب، وارتفعت وتيرة التحريض والملاحقة ضد المجتمع العربي.


العنصرية، والتحريض، والأجواء العامّة المعادية 

على مدار الأشهر الأولى من الحرب، تصاعدت مظاهر التحريض والعنصرية من قبل أعضاء الكنيست، ورؤساء البلديات، وحتى قائد الشرطة. فعلى سبيل المثال، وصف وزير الأمن القومي القضاة العرب بأنهم "أعداء من الداخل"، ودعا قائد الشرطة المواطنين العرب إلى ركوب الحافلات والذهاب إلى غزة. كما أعلن رؤساء بلديات عن إغلاق مواقع البناء لمنع دخول العمال العرب، من مواطني الدولة وسكانها، إلى مناطقهم، في خطوة تبث رسالة مفادها أن وجود العرب أو الفلسطينيين في المجال العام يثير حالة من عدم الأمان والخوف المبرر. كما صرح وزير الأمن القومي أن هناك احتمالاً كبيراً لحدوث مواجهات في المدن المختلطة، وتحقّق "سيناريو حارس الأسوار 2"، و"سيناريو اقتحام المستوطنات"، مشيراً إلى أنه أصدر تعليماته لقائد الشرطة للاستعداد لذلك. كما يتذكر الجميع تصريحه خلال خطاب ألقاه في مركز توزيع الأسلحة للمواطنين في الجنوب، حيث قال: "أنا لا أقول بأن كل العرب هم على هذا النحو، ولكن هناك أعداء قساة حتى في أوساط عرب إسرائيل، وعلينا أن نكون متيقّظين".

 

و كما كان متوقعاً، أدت أجواء التحريض ونشر الخوف من الجمهور العربي إلى وقوع أحداث عنف ضد العرب. في إحدى الحوادث البارزة، أدى التحريض على شبكات التواصل الاجتماعي بقيادة قادة النواة التوراتية "دفير كودشو" في نتانيا، إلى شغب شارك فيه مئات الأشخاص عند مدخل مساكن الطلبة في كلية نتانيا، مطالبين بطرد الطلاب العرب من المساكن. ورغم خطورة الأحداث والتحريض الذي سبقها، لم تقم الشرطة باعتقال أي من المتورطين أو المحرضين على العنف والعنصرية. في حين حظي هذا التحريض، بشكل خطير ولكن غير مفاجئ، التحريض بدعم ضمني في تصريحات كبار المسؤولين ومنتخبي الجمهور.

كان العنصرية والتمييز حاضران بشكلٍ واضحٍ أيضًا في أماكن العمل. ففي بداية الحرب، كما أسلفنا، أعلن رؤساء بلديات عن إغلاق مواقع البناء لمنع دخول العمال العرب إلى مناطقهم. وبناء على وثيقة صادرة عن جمعية "عنوان العامل"، قامت العديد من أماكن العمل "بإخفاء" العمال العرب من مواطني إسرائيل وسكان القدس الشرقية عبر تسريحهم من العمل، أو تخفيض ساعات عملهم، أو عدم استدعائهم للعمل في حالة العمال الذين يعملون وفقًا للساعة. وفي حالات أخرى، تم استدعاء العمال لجلساتٍ انضباطيّةٍ أو اتخاذ إجراءات ضدهم بسبب تصريحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي.

 

حرية التعبير: التشريع والإنفاذ الانتقائيان، والملاحقة، والإهانة

مع اندلاع الحرب، تغيرت قواعد اللعب فيما يتعلق بحرية العرب في التعبير على شبكات التواصل الاجتماعي بصورة جذرية. فبعد أسبوع من اندلاع الحرب، أعلنت النيابة العامة أن الشرطة الإسرائيلية معفاة منذ تلك اللحظة من واجب  الحصول على موافقة النيابة العامة قبل الشروع في التحقيق أو الاعتقال، فيما يتعلق بشبهات التحريض على الإرهاب، والتعاطف مع منظمة إرهابية. كما أوضحت أنه يجب الشروع في الرصد، والتحقيق، والاعتقال، والمحاكمة "لكل من ينشر تصريحات تمجيد أو دعم للأعمال الوحشية، حتى لو كان الأمر يتعلق بمنشور وحيد، طالما كان ذلك المنشور خطيرا ومرتبطا بشكل مباشر بالفترة الحالية". وقد وجهت النيابة العامة أيضا الشرطة، بأن تطلب من المحاكم احتجاز المشتبهين حتى انتهاء الإجراءات، وهو أمر نادر جدا في قضايا التعبير عن الرأي.

إن إعفاء الشرطة من القيود الجوهرية التي كانت توفّرها التعليمات للمشتبه بهم في قضايا التعبير، أعطى الإشارة لإطلاق حملة شرطية واعتقال مئات المواطنين والمقيمين العرب بسبب منشوراتهم على شبكات التواصل الاجتماعي. أُسندت معالجة هذا الموضوع إلى "طاقم مكافحة التحريض" الذي تم تشكيله قبل الحرب وكان يتابع المنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي . كما قامت مجموعات منظمة من اليمين "بملاحقة" منشورات العرب على مختلف المنصات، وقدمت شكاوى للشرطة ضد هؤلاء الناشرين، بل ودعت الجمهور لتقديم شكاوى أيضاً. وفقاً لمعطيات الشرطة الإسرائيلية، فقد جرى، منذ بداية الحرب وحتى 26 نوفمبر 2023، فتح 269 ملف تحقيق بشبهة التحريض ودعم منظمة إرهابية، وتم تقديم 86 لائحة اتهام في إجراءات سريعة. ووفقاً للبيانات التي قدمتها الشرطة والنيابة العامة في اجتماعات لجنة الدستور والقانون والعدل في الكنيست على مدار السنة، تم اعتقال المئات من الأشخاص أو التحقيق معهم، وفي أكثر من 150 حالة كان الاعتقال بسبب منشورات على شبكات التواصل. وللمقارنة، في السنوات 2022-2018 مجتمعة، تم فتح 283 ملف تحقيق وفقاً لنفس البند في قانون مكافحة الإرهاب (97% من الملفات ضد العرب وحوالي 85% من الملفات ضد سكان الدولة العرب)، وتم تقديم 88 لائحة اتهام (70 منها ضد سكان الدولة العرب).

في العديد من الحالات، تم اعتقال المواطنين والمقيمين العرب باستخدام العنف والإذلال، مع تصوير المنشورات في شبكات التواصل الاجتماعي بوصفها "دعمًا لمنظمة إرهابية"، رغم أن المنشورات التي أدت إلى التحقيق والاعتقال لا تشكل جريمة في العديد من الحالات . وفي بداية الحرب، حرصت الشرطة أيضًا على نشر أخبار الاعتقالات وصور المشتبه بهم بطريقة مهينة ومذلة، وبما يخالف التعليمات التي تلزمها بشأن حقوق المعتقلين والمشتبه بهم. وفائض عن القول إنه لم يتم تنفيذ أي نشاط إنفاذ قانوني على الجرائم المتعلقة بالتعبير والتحريض ضد السكان اليهود على الإطلاق، رغم أن شبكات التواصل الاجتماعي تعج بتعابير الكراهية والتحريض من اليهود ضد العرب.

وكما أشرنا في الفصل المتعلق بحرية التعبير أعلاه، لم تغفل أجواء التحريض خلال الأشهر الأولى من الحرب المؤسسات الأكاديمية. ففي بيانها العام بشأن انتفاء الحاجة للحصول على موافقة قبل بدء التحقيق، أصدرت النيابة العامة توجيهاتها إلى رؤساء مؤسسات التعليم العالي بتحويل تفاصيل الطلاب العرب الذين يُزعم أنهم نشروا تصريحات تحريض على الإرهاب، إلى الشرطة، وهو إجراء تم اتخاذه بالفعل من قبل جزء كبير من تلك المؤسسات. كما بادرت معظم المؤسسات إلى اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الطلاب العرب بسبب منشوراتهم في شبكات التواصل الاجتماعي، خلافاً لأحكام القانون ومن دون سلطة. وفي الوقت الحالي، يروج الائتلاف الحاكم لمشروع قانون يهدف إلى إلزام المؤسسات الأكاديمية بالشروع في إنفاذ إجراءات تأديبية ومعاقبة الطلاب، بحيث قد تصل الإجراءات إلى حد الفصل من المؤسسة الأكاديمية، في حال نشروا تعبيرات يُشتبه بأنها دعم للإرهاب والمنظمات الإرهابية.

 

بعد اندلاع الحرب، قوبلت مبادرات من نشطاء المجتمع العربي للاحتجاج والتظاهر بالرفض من قبل الشرطة، بل وقامت الشرطة بفض احتجاجات لم تكن بحاجة إلى موافقتها. لقد تغلغلت مشاعر القمع والملاحقة بعمق إلى داخل المجتمع العربي، وما زالت هذه المشاعر قائمة حتى يومنا هذا. ولم يتوقف التحريض ضد المجتمع العربي حتى الآن، وهو يُستخدم من قبل الحكومة وأعضاء الائتلاف في الترويج لمشاريع قوانين تقضم أكثر فأكثر المساحة الضيقة المتبقية لممارسة حق حرية التعبير، وتهدف إلى التخويف والإخراس والترهيب. وتستهدف مشاريع القوانين، التي تم وصفها في الفصل المتعلق بحرية التعبير أعلاه، في المقام الأول، المجتمع العربي وسكان القدس الشرقية الذين يعانون من العنصرية ومن تصويرهم بصورة شاملة بوصفهم داعمين للإرهاب، حيث تُفسر تعبيراتهم أحياناً بشكل خاطئ ومتطرف، وتكون الملاحقة القانونية ضدهم انتقائية وكثيفة وتتصدر أولويات الحكومة.

 

التهاون في الأمن الشخصي

انعدام الملاجئ الآمنة

لا تتوفر لدى أغلبية سكان القرى غير المعترف بها في النقب – حوالي 85,000 نسمة – أية وسائل حماية من الصواريخ، أو القذائف، أو الطائرات المسيرة. ويعيش هؤلاء، منذ اندلاع الحرب، في خطر دائم ويضطرون إلى البحث عن حلول حماية مؤقتة مثل الاحتماء تحت جسر، أو في حفرة محفورة أو في شق ضيق تكون في الأرض. وبشكل عام، لا توجد صافرات إنذار في القرى غير المعترف بها، ولا تغطية كاملة لمنظومات القبة الحديدية، ولا يمتلك السكان أية إمكانية لتوفير وسائل حماية بشكل استباقي دون تدخل الدولة، بسبب عدم الاعتراف بتجمعاتهم السكنية، وعدم تنظيم أوضاعهم من قبل الدولة. لقد كلف غياب وسائل الحماية في القرى غير المعترف سكانها ثمناً باهظاً من حيث الإصابات الجسدية والنفسية وخسائر الأرواح. وقد قدمت جمعية حقوق المواطن، مع منظمات أخرى وسكان من القرى البدوية غير المعترف بها، التماساً إلى المحكمة العليا تطالب فيه الدولة بتوفير حلول حماية لسكان هذه القرى من القذائف والصواريخ.

أما في الشمال، فإن غالبية الفجوة الكامنة في مجال التحصين، قائمة في البلدات العربية: فغالبية السلطات المحلية العربية تفتقر إلى الملاجئ العامة، وهناك نقص في المساحات الآمنة والتحصين في المؤسسات التعليمية فيها. وعلى سبيل المثال، تتوفر الملاجئ العامة فقط في 11 من أصل 71 سلطة محلية عربية تم فحصها في تقرير مراقب الدولة الصادر سنة 2018. وعلى خلفية الحرب، تقوم السلطات الحاكمة بالدفع باتجاه اتخاذ قرارات مختلفة في مجال حماية ووقاية البلدات في الدولة عموما، وفي منطقة الشمال على وجه الخصوص، إلا أن هذه القرارات لم تفلح حتى الآن في توفير حلول لائقة للبلدات العربية أو سكانها. علاوة على ما تقدم، قررت وزيرة المساواة الاجتماعية في حزيران / يونيو 2024 إغلاق مركز طوارئ مدني أقامته اللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية العربية.

يمس إهمال أمن المواطنين العرب في الشمال بحقوقهم الأساسية في الحياة، والكرامة، والمساواة. فالواقع المختلف في البلدات العربية من حيث التخطيط والبناء، والذي يعود في جزء كبير منه إلى الإجحاف التاريخي في مجالات التخطيط وتخصيص الموارد، يتطلب تعزيز حلول بديلة ومختلفة توفر للسكان حلًا لائقًا.


الإخفاق المتمثل في عدم معالجة الجريمة

بعد توليه منصبه، تخلى الوزير بن غفير عن الخطة الحكومية الحيوية لمكافحة الجريمة المتفشية في المجتمع العربي، وهي الخطة التي خصصت لها الحكومات السابقة مليارات الشواكل. وقد تمثلت نتيجة الأمر في التفاقم الحادّ في العنف والجريمة، والفقدان التامّ للأمن الشخصي في المجتمع العربي. وتستمر معدلات الجريمة داخل المجتمع العربي في الارتفاع في ظل تقاعس الشرطة المستمر عن القيام بدورها في الحفاظ على النظام العام، وكشف الجرائم، وتقديم المجرمين للعدالة. ويتحدث المواطنون العرب واقع حياة لا يُحتمل، حيث يخشون التجول في الشوارع في كل مدينة وقرية وفي أي وقت من اليوم، في حين أن العنف يواصل تحطيم الأرقام القياسية سواء في عدد الضحايا أو في مستويات توحّش الجناة.

وبدلاً من الدعم واسع النطاق في تجنيد الكوادر بشرية ذات الجودة وتحسين الشرطة، وأقسام التحقيق، والاستخبارات لمكافحة الجريمة وكبح انتشارها، يروج الوزير للأمن القومي وكتلته، مستغلين بشكل انتهازي مشاعر الإحباط وفقدان الأمن الشخصي داخل المجتمع العربي، لسياسات ومشاريع قوانين تؤسس لنظام إنفاذ منفصل للمجتمع العربي، تدوس على الحقوق والمبادئ الأساسية في القانون الجنائي. هناك، على سبيل المثال، "مشروع قانون حماية الجمهور من المنظمات الإجرامية"، الذي سيسمح للشرطة بطلب إصدار أوامر اعتقال إدارية من المحكمة ضد شخص ما وفرض قيود مشددة عليه بناءً على أدلة إدارية سرية وتقديرات استخباراتية لا غير(أي، ليس بناء على أفعاله). وللاطلاع على المزيد من التفاصيل حول هذا الشأن، راجعوا الفصل الأخير الذي يتناول حقوق المشتبه بهم والمعتقلين.

 

تهديدات جديدة في الحيز العام

كما ذكرنا في الجزء المتعلق بخصخصة الأمن الشخصي، جرى منذ بداية الحرب إنشاء المئات من فرق التأهب البلدية بإجراءات سريعة للغاية (العديد منها في المدن المختلطة). وذلك في ظل "تحذيرات" الوزير للأمن القومي من سيناريو "حارس الأسوار 2"، وهي تحذيرات لا تهدف إلا إلى التحريض على المجتمع العربي، تزداد الخشية من إساءة استخدام فرق التأهب البلدية لقوتها وصلاحياتها تجاه السكان العرب في إسرائيل، خاصة في المدن المختلطة. وقد نُشرت بالفعل في بداية الحرب، في شبكات التواصل الاجتماعي، شهادات توثق قيام أعضاء في وحدات التأهب البلدية، مرتدين الزي العسكري ومسلحين، بإيقاف مواطنين عرب للتحقق من هوياتهم دون أي صلاحية، مما يشكل انتهاكاً لحقوقهم في الكرامة والخصوصية.

وعلى التوازي مع تشكيل فرق التأهب، تتواصل التحضيرات لإنشاء الحرس الوطني، وقد نُشرت توصيات اللجنة التي تم تعيينها لتحديد كيفية إنشائه. وحتى إذا تم، وفقاً للتوصيات، إخضاع القوة لمفوض الشرطة وليس لوزير الأمن القومي، فإن الأمر لا يزال يتعلق بجهاز هجين عسكري-شرطي، سيضم مقاتلين مسلحين، بعضهم متطوعون، سيمنحون صلاحيات واسعة لاستخدام القوة وتقييد حريات المواطنين. يشكل الأمر وصفة لانتهاك خطير لحماية حقوق الإنسان. إن خلفية إنشاء الحرس الوطني، والنية لتخصيصه لمواضيع مثل المدن المختلطة، و"غياب السيادة"، والإخلال بالأمن القومي، والجريمة الزراعية، تثير المخاوف من أنه سيُستغل بشكل رئيسي لاستخدام القوة المفرطة والعنيفة ضد المجتمع العربي. إن معنى ذلك يتمثل في إنشاء شرطة خاصة، عنيفة، جزء منها مدني، لـ"معالجة" العرب في إسرائيل، مما يؤدي إلى إنشاء جهازي شرطة منفصلين على أساس قومي.

في هذه الأيام أيضًا، يتم الترويج لتعديل قانون الشرطة البلدية الذي يسعى إلى توسيع صلاحيات المفتشين، ليتضمن معالجة الجرائم الإرهابية وتسليحهم بالأسلحة. ومن المتوقع أن يكون من يعانون من هذا التوسع، في المقام الأول، العرب المتواجدون في المجال العام، حيث يُتوقع أن تتوسع ممارسات إنفاذ القانون التمييزية والعنصرية ضدهم. ومن جهة أخرى، لا تستطيع البلدات العربية عادةً تشغيل شرطة بلدية بسبب أوضاعها الاقتصادية المتردية، وليس من الواضح الآن كيف سيكون بإمكانها أن تكون جزءاً من هذا المشروع الذي يتعامل مع مكافحة الإرهاب وتسليح المفتشين بالأسلحة.

 

هدم المنازل في النقب

تصاعدت سياسة هدم المنازل في النقب على مر السنين. ومع تولي بن غفير منصب وزير الأمن القومي، واستمرار الحرب، استمرت سياسة هدم المنازل وتصاعدت أكثر. وعلى سبيل المثال، في شهر أيار / مايو 2024، جرى هدم 50 وحدة سكنية في قرية "أم سليم"، حيث تُركت النساء، والأطفال، وكبار السن بلا مأوى أو حماية. كما تلقى سكان قرية بير هدّاج العشرات من أوامر الهدم. ووفقًا لبيانات ynet، لم تُنفذ عمليات الهدم خلال الأشهر الأولى من الحرب، ولكن في النصف الأول من عام 2024، تم تنفيذ 725 عملية هدم بواسطة سلطات الإنفاذ، مقارنة بـ 337 عملية في النصف الأول من عام 2023 و128 في النصف الأول من عام 2022. بالإضافة إلى ذلك، نفذ السكان حوالي 1,200 عملية هدم "ذاتية" بأنفسهم انصياعًا لأوامر الهدم التي صدرت بحقّهم.

من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه بعد إقرار الهيئة العامة للكنيست في تموز / يوليو 2024 لقرار الحكومة بنقل صلاحيات إنفاذ قوانين الأراضي من وزارة المالية إلى وزارة الأمن القومي، في إطار الاتفاق الائتلافي مع حزب "عوتسما يهوديت" ولضمان الحصول على دعم بن غفير في تصويتات الائتلاف.


خصخصة الأمن الشخصي: التسليح الجماعي وتشكيل قوات غير مدربة

يعد وجود هيكل هرمي ومركزي لاستخدام القوة من اشتراطات وجود النظام الديمقراطي، بحيث يعمل هذا الهيكل بمهنية، وكفاءة، ومن دون تحيز. وقد اتسم العام الماضي ليس فقط بمحاولة وزير الأمن القومي السيطرة على الشرطة، بل أيضًا بالسياسات المتساهلة وغير المسبوقة التي من شأنها أن تؤدي إلى ظهور قوى مسلحة غير مدربة أو مهنية.

 

 في ظل الحرب: إغراق الحيز العام بالسلاح، وسياسة ترخيص السلاح المفتقرة للمسؤولية

حتى قبل اندلاع الحرب، كانت سياسة الحكومة ووزير الأمن القومي بن غفير تهدف إلى تسهيل إجراءات ترخيص الأسلحة بشكل كبير وزيادة تسليح المواطنين. وقد قوبلت هذه السياسة بانتقادات شديدة. وقد حذرت منظمات من أن الانتشار الواسع للأسلحة في المجالين العام والخاص قد تكون له عواقب وخيمة على المجتمع في إسرائيل على المدى الطويل، بما في ذلك زيادة حالات الانتحار، ورفع منسوب التهديد تجاه النساء والأطفال الذين يعيشون في ظل العنف، ووصول الأسلحة إلى أيدي المجرمين، والمساس بالأبرياء.

بعد مجزرة السابع من تشرين الأول / أكتوبر، زالت العوائق التي تعترض عملية التسليح المتسارعة. في ذلك اليوم، أخفقت الدولة القيام بدورها الأساسي، ألا وهو حماية حياة مواطنيها. وقد تزعزعت بشكل كبير مشاعر الأمن الشخصي وتضررت الثقة في قوات الأمن. وبدلاً من تعزيز قوات الأمن واستعادة ثقة المواطنين بها، يبدو أن وزارة الأمن القومي رأت في الوضع فرصة لتنفيذ سياستها وتسريع العملية بصورة أكبر، مما يعني توفر المزيد من الأسلحة في أيدي غير مدربة وخطيرة. لقد سهلت الوزارة بشكل كبير عملية الترخيص (على سبيل المثال، عن طريق استبدال المقابلة الشخصية الاشتراطية لمنح الرخصة، بمقابلة عبر الهاتف)، ووسعت نطاق قبول المؤهلين للحصول على ترخيص سلاح شخصي، وأطلقت حملة واسعة لتشجيع التسليح. وفي هذه الأيام، نُشرت مذكرة قانونية تسعى إلى توسيع نطاق المؤهلين للحصول على ترخيص سلاح شخصي بشكل أكبر.

تبعًا لذلك،  ارتفعت كميات الأسلحة في المجال العام ارتفاعًا حادًا. ووفقًا للبيانات المقدمة للجنة الأمن القومي في الكنيست، تم، منذ اندلاع الحرب وحتى نهاية عام 2023، تقديم حوالي 300,000 طلب لتلقّي رخصة سلاح شخصي، وتم منح 64,000 رخصة مشروطة (تشترط، بعد الحصول عليها، اجتياز تدريب أولي في ميدان الرماية). ووفقًا لبيانات وزارة الأمن القومي، فقد جرى بين كانون الثاني / يناير وأيلول / سبتمبر 2024، إصدار أكثر من 88 ألف رخصة إضافية، وهو رقم يصل إلى ما يفوق أربعة أضعافه في الفترة الموازية من عام 2023، إلى جانب حوالي 43 ألف تصريح تم منحها قبل أن يسري مفعولها. 

ولتلبية الطلب الكبير على الأسلحة، تم تعزيز قسم الأسلحة في وزارة الأمن القومي بعشرات الموظفين غير المؤهلين، الذين تم تعيينهم كـ "موظفي ترخيص" بعد خضوعهم لتدريب سريع للغاية، من بينهم مجندات في الخدمة الوطنية، وموظفون في الكنيست، وأربعة موظفين من مكتب الوزير بن غفير (وظائف ثقة). إلى جانب الإضافة إلى عدم المعقولية والمخاطر الواضحة الكامنة في هذا الإجراء، فإن تعيين موظفي الكنيست وموظفي مكتب الوزير بن غفير يعد غير قانوني، ويتسم بالتسييس، وينتهك مبدأ فصل السلطات. وبناءً على تحقيق أجراه ديوان مستشارة القضائية للحكومة، تم إيقاف عملية الترخيص المعيبة وإعادة فحص التراخيص التي تم منحها بهذه الطريقة. كما فتحت الشرطة تحقيقاً في الموضوع، ولكن يمكن التكهن بأنه لن يكون تحقيقاً جاداً.

في حين تم تسهيل وتسريع عملية الحصول على الأسلحة بشكل كبير، لم يُجرَ أي تغيير لخلق آليات رقابة على حاملي الأسلحة. وفي الواقع، لا تُجري وزارة الأمن القومي أية رقابة، حتى في ظل الحد الأدنى، على حاملي الأسلحة الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، لا يتم في عملية الترخيص إجراء أي تدقيق قبالة وزارة الرفاه، أو مؤسسة التأمين الوطني، حول الحالة النفسية والخطورة المحتملة لمقدم الطلب (مثل سجلات العنف الأسري،  أو الإدمان على المخدرات أو الكحول). كذلك، فإن الرقابة التي تمارسها الوزارة على حاملي الأسلحة المؤسسية (الأسلحة التي يحملها موظفو المنظمات المدنية والشركات التجارية، غير المنتسبين لقوات الأمن) ضئيلة للغاية. ووفقًا لبيانات ائتلاف "المسدس على طاولة المطبخ"، بلغ عدد حاملي الأسلحة المؤسسية حتى أغسطس 2024 حوالي 69,500 شخص.  وقد جرى، في السنوات 2023-2022، تخصيص 9 مفتشين فقط للإشراف على عشرات الآلاف من الأسلحة المؤسسية.


تشكيل قوات مسلحة غير مدربة

تحت ستار الحرب، دفع وزير الأمن القومي باتجاه إنشاء قوات شرطة مسلحة وغير مؤهلة، مستغلاً الخوف الذي قام هو بإثارته، وفقدان المواطنين لشعورهم بالأمن الشخصي. وقد قامت وزارة الأمن القومي والشرطة، منذ بداية الحرب، بإنشاء  أكثر من 900 فرقة تأهب جديدة في جميع أنحاء البلاد (كما أُبلغ في جلسة لجنة الأمن القومي بالكنيست في 4 أيلول / سبتمبر 2024)، مما يعكس خصخصة دور حكومي أساسي لصالح جهات مدنية. تم تسليم هذه الفرق كميات غير مسبوقة من الأسلحة.

إن المئات من فرق التأهب الجديدة هي فرق تأهب بلدية، وهي ظاهرة جديدة تمامًا تختلف جوهريًا عن فرق التأهب المجتمعية التي كانت موجودة منذ سنوات في المناطق الريفية في بلدات صغيرة نسبيًا. وقد تم تشكيل فرق التأهب البلدية وفق إجراءات سريعة للغاية (7 ساعات تدريب فقط) من دون تنظيم أو إشراف كافيين، حيث تم تسليم كل عضو فيها سلاحًا من نوع M16. ولا تزال هناك الكثير من الأسئلة التي لم تجرِ الإجابة عليها: ومن ضمن هذه الأسئلة، ما هي المعايير التي يتم على أساسها إنشاء فرق التأهب البلدية؟ وما هو مسار تدريبها؟ وما هي مهامها؟ وما هي صلاحيات أعضاء هذه الفرق؟ وكيف يتم تخزين الأسلحة التي سُلِّمت إليها؟ في جلسةٍ عقدت في لجنة الأمن القومي بتاريخ 4 أيلول / سبتمبر 2024، تبيّن أنه لا توجد جهة واحدة تتولى إدارة الموضوع، ولا توجد رؤية عملياتية واضحة وموحدة بهذا الشأن، ناهيك عن وجود إجراء ناظم لتشغيل جميع فرق التأهب. إن النقص في التدريب وغياب الرقابة يثيران مخاوف كبيرة من احتمال إساءة استخدام أعضاء فرق التأهب لصلاحياتهم، وخاصة تجاه السكان العرب في إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، يتم الترويج لمشروع الحرس الوطني وتوسيع الشرطة البلدية لتشمل أيضًا مكافحة الإرهاب ومجالات أخرى، ما يمنح المفتشين المزيد من الصلاحيات والأسلحة (راجعوا الفصل المتعلق بالمجتمع العربي، أعلاه).


 تطبيع الرقابة على المواطنين وانتهاك الخصوصية

يرتبط الحق في الخصوصية ارتباطًا وثيقًا وجليًا بوجود نظام ديمقراطي. إذ لا يمكن أن تستمر ديمقراطية نابضة حينما يخشى المواطنون من أن تراقب الحكومة أفعالهم وتجمع عنهم المعلومات، وحين لا تتوفر لهم مساحة خاصة للتصرف. يخشى المواطنون، في ظل دولة تفتقر إلى الخصوصية، التعبير عن آرائهم، أو المشاركة في الأنشطة السياسية أو التظاهرات، ويزداد القلق من أن تستغل أجهزة الدولة المعلومات التي تجمعها عنهم بشكل سيئ. كما تؤدي المراقبة الحكومية إلى تأثير مثبط، حيث يغير الناس سلوكهم عندما يشعرون أن أحدًا يراقبهم.

لقد تصاعدت، في العام الماضي، التشريعات التي تبيح للحكومة الإسرائيلية صلاحيات استخدام تقنيات المراقبة. وترتفع  مخاطر انتهاك الخصوصية بشكل خاص عندما يُنظر إليها في سياق الظواهر الأخرى الموصوفة في هذا الوثيقة، بما في ذلك السيطرة السياسية على الشرطة، والتعامل مع المتظاهرين، والتعامل مع المجتمع العربي.


"قانون المراقبات" ومنظومة "عين الصقر"

في كانون الثاني / يناير 2024، دخل إلى حيز التنفيذ تعديل على قانون الشرطة ينظم استخدام منظومة "عين الصقر"، التي تسمح للشرطة بمراقبة حركة المركبات في جميع أنحاء البلاد. تنشئ هذه المنظومة قاعدة بيانات غير مسبوقة وضخمة لتتبع جميع تحركات المواطنين بمركباتهم، حيث يتم حفظها للاستخدام المستقبلي، كما تتيح المنظومة متابعة مستمرة وطويلة الأمد لحركة مركبات معينة عن طريق إدراجها في قائمة للتنبيه الفوري. لا يفرض القانون أي قيود فعلية على عدد كاميرات الشرطة التي يمكن تثبيتها أو على أنواعها، كما يسمح بتخزين المعلومات التي تجمعها الكاميرات لفترة طويلة تصل إلى عامين، كما يتيح سهولة الوصول إلى هذه المعلومات لأي شرطي، من دون الاضطرار إلى استصدار أمر قضائي أو الخضوع لإشراف خارجي. إن هذا الدمج بين جميع هذه العوامل يشكل انتهاكًا كبيرًا للحق في الخصوصية والحرية للمواطنين الأبرياء غير المشبوهين، ويؤدي إلى خلق تأثير مثبط على ممارسة الحقوق الأخرى (مثل حرية التعبير والتظاهر)، لأن المواطنين يعرفون أنهم قد يكونون تحت المراقبة في أية لحظة. وترفض الشرطة نشر النظم الإدارية المتعلقة باستخدام هذه المنظومة. ولا تزال دعوى جمعية حقوق المواطن ضد هذا التعديل القانوني قائمة.


لقراءة التقرير الكامل

bottom of page