top of page

فقرة التَّغـَلـُّب على قرارات المحكمة العليا ـ أسئلة وأجوبة



© Maren Winter | Dreamstime.com


ما المقصود بعبارة "فقرة التغلب على المحكمة العليا"؟


في الوضع القائم اليوم، المحكمة العليا مخولة صلاحية إلغاء قانون سنّه الكنيست إذا كان غير دستوري ـ أي، إذا كان يتناقض مع قوانين الأساس الخاصة بحقوق الإنسان (وتحديداً، قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته). في أعقاب مثل هذا الإلغاء، يصبح القانون لاغياً وغير ساري المفعول. "فقرة التغلب" هي وصف لتعديل قانوني تسعى الحكومة المرجح تشكيلها إثر نتائج انتخابات 1.11.22 إلى سنّه ويبتغي تغيير الوضع القائم.

معنى هذا التعديل أنه سيكون بإمكان الكنيست الالتفاف على صلاحية المحكمة بشأن إلغاء القوانين أو إلغاء هذه الصلاحية تماماً. كيف؟ سيصبح بإمكان الكنيست أن يقرر مسبقاً أن شأناً معيناً لن يكون خاضعاً للرقابة القضائية (أي، أن يقرر أن المحكمة العليا لا تستطيع إلغاء قانون في مجال معين بسبب كونه غير دستوري)؛ أو أنّه بإمكان الكنيست إعادة سن قانون بأثر رجعي إذا قررت المحكمة العليا إلغاءه لأنه غير دستوري، بالرغم من كونه غير دستوري ويمس بحقوق الإنسان.

يبدو أن الاقتراح الذي سيتم دفعه قُدماً في الكنيست الـ 25 هو أن يكون بإمكان الكنيست إعادة سن قانون ألغته المحكمة، بأغلبية 61 عضو كنيست فقط. معنى هذا أن أية حكومة تملك أغلبية 61 عضواً في الكنيست ستكون قادرة على إعادة سن قوانين ألغتها المحكمة لأنّ فيها مسّاً بحقوق الإنسان ـ حتى في القضايا التي تشكل موضع خلاف جماهيري عام، واسع وعميق.

يدّعي المؤيدون لفقرة التغلب بأنّه إذا ما توفرت في الكنيست أغلبية لإعادة سنّ قانون ألغته المحكمة، فهذه هي إرادة الشعب/ الناخبين وهو ما يجسد قيم الأغلبية، وعليه ـ ليس من المعقول أن يأتي جسم من أشخاص غير منتخَبين ولا يمثلون الشعب ليقرر خلافاً لرأي الأغلبية المنتخَبة.

أما معارضو فقرة التغلب فيعتقدون بأن هذه "الفقرة" معادية للديمقراطية، لأنها تسمح بالمس المتعمّد بحقوق الإنسان من قِبل الأغلبية السياسية ("استبداد الأغلبية") دون إمكانية ممارسة الرقابة عليها، كما هو مُبيَّن أدناه.


ما الفرق بين فقرة تغلب ضيقة وفقرة تغلب موسعة؟

طُرحت على مدار السنوات بدائل مختلفة لتعديل القانون، كان من بينها فقرة تغلب ضيقة وفقرة تغلب واسعة. فقرة التغلب الضيقة تعني، كما أشرنا أعلاه، أن بإمكان الكنيست "التغلب" على قرارات الحكم التي تصدر عن الحكمة العليا وتقضي بإلغاء قوانين. فقرة التغلب الموسعة تعني أن بإمكان الكنيست، بالإضافة إلى ما ذُكر، "التغلب" أيضاً على قرارات المحكمة العليا التي تلغي قرارات إدارية صادرة عن هيئات ومؤسسات الحكم المنتخَبة ـ أي، الحكومة ووزرائها، والكنيست. معنى هذا أن فقرة التغلب الموسعة تسحب من بين يدي المحكمة العليا صلاحيتها المركزية ـ إخضاع قرارات الهيئات والمؤسسات المنتخَبة للرقابة وفحص ما إذا كان ثمة داعٍ لإلغائها: على سبيل المثال، إن كانت هذه القرارات تمس بالحق في المساواة أو بحقوق أخرى من حقوق الإنسان، إن كانت هذه القرارات غير قانونية، إن كانت تنطوي على تضارب مصالح، أو إن كانت قد اتُخذت من خلال إجراء غير سليم (مثلاً، بدون جلسة استماع) وما إلى ذلك.

يدّعي مؤيدو فقرة التغلب الموسعة بأنه يتعين على المحكمة العليا عدم المسّ بـ "الحوكمة" وبقدرة الهيئات المنتخَبة (الحكومة ووزرائها والكنيست وأعضائها) على العمل، لا سيما وأنها انتُخبت من قِبل الأغلبية لتأدية مهامها واتخاذ القرارات.


لماذا تمسّ فقرة التغلب بالديمقراطية وبحقوق الإنسان؟

أ‌. وظيفة المحكمة العليا في منظومة التوازنات والكوابح في إسرائيل

المحكمة العليا هي الحامي الوحيد لحقوق الإنسان والأقليات في إسرائيل. في ظل غياب الدستور، تشكل قوانين الأساس البديل عن الدستور الإسرائيلي، إضافة إلى القيم التي أُرسِيَت في وثيقة الاستقلال وفي المصادر الأخرى ذات الصلة. وظيفة المحكمة العليا هي فحص ممارسات الحكومة وأنشطة الكنيست على ضوء قوانين الأساس والقيم المذكورة.

وجود النظام الديمقراطي مرهون، أولاً وقبل أي شيء آخر، بالفصل بين السلطات والموازنة بينها. منظومة الموازنات والكوابح بين السلطات المختلفة هي التي تضمن الحماية من استبداد الأغلبية وتحمي حقوق مجموعات الأقلية، أياً كان نوعها. عملياً، فكرة الحماية الدستورية لحقوق الإنسان برمّتها ترمي إلى منع الأغلبية من التجبّر بالأقلية وإساءة معاملتها.

ب‌. في إسرائيل، المحكمة العليا ضرورة حيوية بشكل خاص

مبنى نظام الحكم البرلماني في إسرائيل هو من الطراز الذي لا فصل حقيقي فيه بين الكنيست والحكومة. ولذا، تكتسب منظومة التوازنات والكوابح ما بين الحكومة / الكنيست والمحكمة العليا أهمية وحيوية استثنائيتين لمنع نشوء حالة الانعدام التام لضبط النفس من جانب الحكومة ومن أجل حماية الأقليات، من أي نوع كانت. وخلافاً للتوازنات والكوابح الأخرى المعمول بها في أنظمة حكم أخرى في العالم، مثل الانتخابات الإقليمية (المناطقية)، المجلس الأعلى في البرلمان، الرئيس ذو حق النقض (الفيتو) على التشريعات القانونية، أو الخضوع للمحاكم الدولية مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ـ الكابح الوحيد في إسرائيل ضد أي تشريع يصدر عن الكنيست وفيه مسٌّ بالحقوق هو المحكمة العليا.


قضاة المحكمة العليا ليسوا مُنتَخَبين ـ لماذا يمتلكون صلاحية اتخاذ قرارات ضد الحكومة أو الكنيست؟

بالرغم من أن قضاة المحاكم بصورة عامة، وقضاة المحكمة العليا بصورة خاصة، يشغلون مناصبهم بالتعيين وليس بالانتخاب، إلا أن الحديث هنا هو عن جهاز مهنيّ مؤتمن على سلطة القانون، سيادته وتطبيقه، مُلزَمٌ بأن يكون ممثلاً للمصلحة العامة ويُفترَض أن يعمل بصورة مهنية وموضوعية في جميع القضايا التي تُطرح على طاولته. وبالرغم من جميع التقييدات المعروفة في هذه السياقات، إلا أن التزام طواقم الجهاز القضائي الأساسي هو تجاه سلطة القانون والجمهور. ويجب أن نتذكر أيضاً أن أربعة من بين الأعضاء التسعة في لجنة تعيين القضاة هم من السياسيين (وزيران وعضوا كنيست) ولذا، فليس من الممكن تعيين قضاة في المحكمة العليا إلا بأغلبية سبعة من أعضاء اللجنة ـ أي، من الممكن التعيين فقط بعد التوصل إلى اتفاق وتوافق بين السياسيين والقضاة أعضاء اللجنة، الأمر الذي يعني أن التعيين يتم بمشاركة المستوى السياسي بصورة جدية، فاعلة ومؤثرة على طبيعة قيم القضاة الذين يجلسون على كرسي القضاء.

مقابل جهاز القضاء وخلافاً له، يعمل الكنيست، بصورة طبيعية وشرعية، من منطلقات واعتبارات ومصالح سياسية، عامة، إعلامية وشعبوية، من أجل دفع وتطبيق أجندات مختلفة لا تلتزم دائماً بسلطة القانون، بالنظام الدستوري وبالدفاع عن حقوق الإنسان.

فقرة التغلب تعني إخضاع المبادئ الأساس، منظومة القيم الدستورية، سلطة القانون وحقوق الإنسان للمصالح السياسية الخاصة بالأغلبية السياسية، دون أية توازنات. هذا يعني نقل القرار/ الحسم بصورة تامة ومطلقة إلى الجسم السياسي الذي تسيّره، بصورة شرعية، أجندات سياسية ويخضع، بصورة طبيعية، لتشكيلة مختلفة من الضغوط السياسية والجماهيرية العامة. وهذا، من خلال التحييد التام والمطلق لدور المحكمة العليا ووظيفتها في الموازنة بين المصالح وكبح قوة السلطة غير المحدودة، بالمقدار المطلوب.


بإمكان الأغلبية تعديل الدستور (أو قوانين الأساس) ـ فما الفرق، إذن؟

صحيح أن الأغلبية تستطيع تعديل الدستور (في إسرائيل ـ قوانين الأساس)، بل وبأغلبية ضئيلة في إسرائيل. لكن ينبغي أن نتذكر أنّ ثمة لتعديل الدستور ثمناً إعلامياً. فعندما يمسّ السياسيون، بصورة مكشوفة وعلنية، بالحماية التي يوفرها الدستور لحقوق الإنسان، فهم يدفعون ثمناً مقابل ذلك، ولذلك فهم حذرون من القيام بذلك. في المقابل، منح إمكانية التغلب على الدستور بواسطة قانون عينيّ محدد هو أكثر سهولة من الناحية الإعلامية ويمكن اعتباره مجرد "رد" على قرار الحكم الصادر عن المحكمة العليا، وكأنه مجرد "تصحيح خطأ" فقط.


في كندا، هنالك آلية تشبه فقرة التغلب، فلمَ لا تكون عندنا أيضاً؟

للأسباب المذكور أعلاه مجتمعة، ليس ثمة مكان في العالم فيه فقرة تغلب، باستثناء مكان واحد فقط ـ كندا. فقد أُدخلت فقرة التغلب هناك كتسوية على خلفية معارضة كويبك، التي هي مقاطعة ذات تميُّز ثقافي واضح، لأن تكون خاضعة للدستور الكندي الفيدرالي من دون إمكانية التغلب. أي، جميع الدساتير الأخرى في العالم لا تشمل آلية كهذه.


هل تلغي المحاكم في العالم قوانين كما هو الحال عندنا؟

نعم، بل أكثر. في دول عديدة في العالم تتمتع المحاكم بصلاحية إلغاء قوانين غير دستورية وهي تفعل ذلك بمعدلات مرتفعة جداً مقارنة بما هو الحال عليه في إسرائيل (يمكن الاطلاع على المعطيات هنا). المحكمة العليا في إسرائيل ألغت حتى الآن قانوناً، أو بنداً محدداً من قانون، في 20 حالة فقط (من ضمن ذلك، ثلاث مرات تم فيها إلغاء فقرة محددة في قانون منع التسلل، الذي عادت الحكومة وقدمته كل مرة من جديد).


إذا تقرر تحديد أغلبية 70 أو 80 عضو كنيست للتغلب ـ هل هذا يحل المشكلة؟

كما ذُكر أعلاه، يبدو أن الاقتراح الذي سيُطرح على الكنيست الـ 25 هو سنّ فقرة تغلب تقضي بالسماح للكنيست بإعادة سن قانون ألغته المحكمة العليا بأغلبية 61 عضو كنيست فقط ـ أي، بدون الحاجة إلى أغلبية خاصة لتنفيذ ذلك. معنى هذا أن أية حكومة تتمتع بأغلبية 61 عضو كنيست فقط بإمكانها إعادة سن قوانين ألغتها المحكمة العليا بسبب انطوائها على مس بحقوق الإنسان، حتى في القضايا التي تشكل موضع خلاف جماهيري عام، واسع وعميق.

هذا هو النص الأكثر ضرراً، بالتأكيد. لكن موقفنا هو أنه حتى لو أقرت فقرة التغلب بأنّ إعادة سن قانون ألغته المحكمة تحتاج إلى أغلبية خاصة من 80 عضو كنيست أو أكثر، فهذا لن يحل مشكلة المس بالتوازنات والكوابح بين السلطات المختلفة في الدولة. أولاً، في القضايا التي هي موضع خلاف بشكل خاص ليس من الصعب تجنيد أغلبية كهذه في الكنيست، وذلك بسبب الضغوط الجماهيرية والسياسية الكبيرة التي تُمارَس في مثل هذه الحالات. وهذا، بالذات، عندما يدور الحديث عن حماية مجموعات الأقلية التي لا تحظى بشعبية خاصة، مثل العرب، اللاجئين أو الأسرى، أو في القضايا المُختَلَف عليها جماهيرياً، مثل مساواة حقوق مثليي الجنس، التعددية اليهودية وما شابه.

ثانياً، في اللحظة اتي يتم فيها التخلي عن المبدأ القائل بأنّ ثمة أموراً لا يجوز المس بها ولو بأية أغلبية كانت، يصبح السؤال ما هي تلك الأغلبية سؤالاً مفتوحاً ومن الواضح أنه سيحصل تآكل في هذه الأغلبية كلما اقترب موعد استكمال هذا الإصلاح وإنجازه.

وثالثاً، ليس من الجدير ولا من اللائق، بأية أغلبية كانت، التخلي عن حقوق الإنسان وسلطة القانون وتركهما بين يديّ جسم هو ـ بصورة طبيعية وشرعية ـ جسم سياسي وذو مصالح. ذلك أن هذه قيم ينبغي الدفاع عنها وحمايتها في وجه الهيئات والمؤسسات السياسية، بواسطة المحكمة ومن خلالها. لهذه الغاية بالضبط أعِدّ الفصل بين السلطات. من يؤمن بالنظام الديمقراطي وبحقوق الإنسان لا يمكنه التخلي عنها لمجرد أن "أغلبية الناس" مستعدة، في لحظة زمنية معينة، للتخلي عن دورها (عندما يمسّ الأمر بـ"الآخر"، عادة).


إن تقررت فقرة التغلب لقضية عينية (مثل اللاجئين أو التجنيد) ـ هل هذا معقول؟

لا. تشريع فقرة تغلب عينية بشأن قضية معينة هو أمر إشكاليّ. أولاً، لأن مبادئ الدفاع عن حقوق الإنسان والأقليات وعن سلطة القانون، كما ذُكر أعلاه، تسري على أية قضية عينية يتم اختيارها. ولكن، علاوة على ذلك، من شأن تشريع كهذا أن يؤدي إلى كسر الحاجز النفسي وفتح الباب أمام فقرات تغلب أخرى تطال قائمة طويلة من القضايا التي سيتم اختيارها من حين إلى آخر حسب الحاجة في أية لحظة زمنية محددة (من باب ـ إذا كان الأمر شرعياً في قضية ما، فلمَ لا يكون شرعياً في قضية أخرى؟).


فقرة التغلب ـ مُنحَدَر زَلِق نحو دولة غير ديمقراطية

يمكن تعلم الدروس من أنظمة حكم أخرى: في اللحظة التي يتقرر فيها إجراء تعديلات/ تغييرات دستورية بعيدة الأثر وتنطوي على مس بحقوق الإنسان وبالنظام الديمقراطي، يكون الأمر مصحوباً على الدوام بتغييرات في صلاحيات المحكمة العليا/ الدستورية، أيضاً. من الواضح أنه إذا كانت النية هي تشريع قوانين تمسّ بحقوق الإنسان أو بمنظومة التوازنات والكوابح في النظام الديمقراطي الإسرائيلي، فإن الأمر يستوجب تحييد/ إلغاء تدخل المنظومات الموازِنة ـ المحكمة، مكتب مراقب الدولة، منظومة إنفاذ القوانين، الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. فقرة التغلب هي السبيل للالتفاف على المحكمة العليا وتجاوزها، ولذلك، ينبغي منعها وعدم السماح بسَنِّها ولا بأي شكل من الأشكال.



bottom of page