المحامية سناء بن بري
تحل الذكرى الـ 44 ليوم الأرض الخالد هذا العام في ظل معاناة الفلسطينيين في البلاد من أزمتين: قانون كمينتس ووباء كورونا!
ففي الوقت الذي تقوم فيه الحكومة الإسرائيلية بسن قانون "كمينتس" لإحكام قبضتها على الأراضي، وتقيّد التطور العمراني والبناء والإسكان في المجتمع العربيّ، تقع علينا مخاطر وباء يلزمنا بالبقاء في بيوتنا، لكن القانون المذكور لا يكترث حقًا بالمواطن الذي يعيش على أرض قريته غير المعترف بها، أو بيته المبنى على أرضه الزراعية أو خارج نطاق الخارطة الهيكلية لبلدته، وتصدر ضده قرارًا بهدم بيته.
لقد سعت جمعية حقوق المواطن منذ بدء أزمة الكورونا الى مراسلة الجهات المسؤولة مطالبة بوقف تنفيذ قرارات هدم البيوت وإخلاء السكان منها، وعدم إصدار قرارات شبيهة الى حين انتهاء الكارثة المحدقة بنا جميعًا.
ما الجديد والخطير الذي أتلى به قانون "كمينتس"، وكيف يرتبط هذا القانون بالنضال من أجل الحق في الأرض والمسكن في ظل أزمة الكورونا؟
قصة يوم الأرض..
في العام 1975 قررت اسرائيل مصادرة 21 الف دونم من الأراضي الفلسطينية التابعة لكل من عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد ومناطق اخرى من الجليل، المثلث والنقب. أطلقت الحكومة على هذا المخطط اسم "تطوير الجليل"، لكنه كان في الحقيقة عملية تهويد كاملة للمنطقة وبداية لبناء مستوطنات جديدة.
للرد على القرار، دعت لجنة الدفاع عن الأراضي لعقد اجتماع عاجل في الناصرة بتاريخ 1 شباط 1976، نتج عنه اعلان اضراب عام وشامل في 30 اذار من السنة نفسها احتجاجًا على المشروع الحكوميّ، وردًا على ما حدث ولا يزال يعانيه المجتمع الفلسطيني في اسرائيل من سياسات التمييز العنصري وانتهاك الحقوق الفردية والجماعية، ويعبر عن الاحتجاج ضد هدم البيوت ومصادرة الأراضي. بمرور السنوات تحوّل هذا اليوم إلى واحد من أهم المواعيد الوطنية لدى الفلسطينيين في الداخل، واطلق عليه اسم "يوم الأرض". وكما هو مقرر؛ في الثلاثين من آذار 1976؛ خرج المجتمع العربي متظاهرًا ضد سياسة التمييز ومصادرة الأراضي، وخلال المظاهرة وقع عشرة شهداء نتيجة عنف الشرطة الإسرائيلية ضد المتظاهرين.
واليوم، بالرغم من مرور 44 عامًا، ما زالت قضية الأرض هي همّ المجتمع الأول، وما زالت سياسة التضييق وتهويد الأرض، ومصادرة الأراضي مستمرة، فزاد تباعًا لها نضال الفلسطينيين في إسرائيل من اجل الحصول على كامل حقوقهم وبالذات الحق في الأرض والمسكن. تتمثل سياسات الحكومة في مصادرة أراضي من ماليكها العرب وتخصيصها لمنفعة اليهود فقط؛ او من خلال تقليص مسطحات نفوذ البلدات العربية او إنعدام الخرائط الهيكلية، او من خلال رفض الدولة الاعتراف بالقرى البدوية غير المعترف بها في النقب.
كذلك، يشهد العرب حالات تجميد التخطيط وعدم تخصيص مسطحات جديدة للبناء في القرى العربية وبالتالي تعطيل عملية اصدار تراخيص البناء وسط التزايد الكبير في الحاجة الى مبانٍ جديدة للأزواج الشابة، مما يدفع المواطنين العرب لبناء البيوت دون ترخيص، وبالتالي النضال ضد الغرامات وأوامر الهدم.
قانون كمينتس وتضييق الخناق على العرب!
لقد أفرزت سياسات الحكومة العام الماضي (2019) تضييقًا غير مسبوق على المجتمع العربي في سياق الأرض والمسكن وبات مشهد يوم الأرض كما لو أنه يكرر نفسه:
في 25 تشرين أول/ أكتوبر 2017 دخل التعديل 116 لقانون التخطيط والبناء حيز التنفيذ، وهو المعروف باسم "قانون كمينتس" الذي يشدّد تطبيق القانون والعقوبات على مخالفات البناء.
تم تسويق القانون كقانونٍ عامٍ يهدف لمحاربة ظاهرة البناء غير المرخص، ولكن الحقيقة من ورائه كانت تغييبًا كاملًا لمسؤولية الحكومة ومؤسساتها التخطيطية تجاه معاناة البلدات العربية في سياق الأرض والمسكن، وتشديد العقوبات بالأساس على المواطنين العرب الذين يبنون، في معظم الأحيان، وبشكل اضطراري، دون ترخيص.
هذا التعديل يزيد من خطورة العقوبات على بعض مخالفات البناء، ويحدد أوقات تنفيذ سريعة وصارمة من خلال أوامر هدم وغرامات إدارية. تلزم الأوامر الإدارية المواطن القيام بمختلف الإجراءات، وتحدد الغرامات الإدارية المبلغ الذي يجب على المواطن دفعه مقابل ارتكاب مخالفة البناء.
يتم استخدام هاتين الوسيلتين دون تقديم المواطن للمحاكمة الجنائية. الهدف المُعلن والواضح لتعديل القانون هو تشديد العقوبة على مخالفات البناء وتبسيطها والإسراع في تنفيذها، على أساس أن هذه ظاهرة شائعة وخطيرة تلحق الضرر بعامة الناس وسيادة القانون. هدف آخر للتعديل هو تعزيز الردع ضد ارتكاب مخالفات البناء.
هناك أفضلية في تنفيذ القانون الإداري -فهو يمنع محاكمة وإدانة "المواطنين العاديين" حتى لا تسجل ضدهم تهم جنائية. ومع ذلك، فإنه يسمح بفرض عقوبات باهظة الثمن وسريعة التنفيذ، لذلك فللتعديل عواقب وخيمة وخطيرة بالتأكيد، خاصة مع تصاعد الحاجة لتطوير البلدات العربية وزيادة عدد الوحدات السكنية فيها، مقابل التشديد في اصدار تراخيص البناء وتكاليفها العالية، وانعدام مسطحات المعدّة للبناء!
بعض المعطيات المهمة حول نضال المواطنين العرب من أجل الأرض:
- منذ سنة 1948، إزدادت نسبة المواطنين العرب 8 اضعاف، وبالمقابل تقلّصت ملكيتهم على الأرض إلى 50% من مساحة الأرض التي كانوا يملكونها.
- يشكّل المواطنين العرب 21% من السكان في إسرائيل. اما مسطحات أراضي السلطات العربية فهي أقل من 2.5% من مساحة الأرض.
- بالرغم من إزدياد نسبة العرب منذ 1948 لم تقم أي بلد عربية جديدة، بينما اقيمت حوالي 700 بلدة يهودية.
- عدد السكان في البلدات العربية اعلى بكثير من البلدات اليهودية نسبةً لمساحة الأرض. مثلا، عدد سكان الناصرة 70000 نسمة يعيشون على مساحة 14000 دونم، بينما نوف هجليل المحاذية للناصرة يسكنها 45000 نسمة على مساحة 40000 دونم- أي 3 أضعاف مساحة الناصرة.
كيف نشأت القرى غير المعترف بها في النقب؟
يبلغ عدد السكان العرب البدو في النقب نحو 250 الف نسمة، 40% منهم هم سكان القرى غير المعترف بها، وتُعادل نسبتهم ثلث سكان النقب، لكنهم يعيشون على رقعة لا تتعدّى 3% من مساحته. معظم القرى كانت قائمة قبل سنة 1948، لكن الدّولة تعمل على مدار سنوات طويلة على التعامل مع سكان القرى غير المعترف بها كمنْ يستولون على أراضي الدولة، ويهدّدون المصالح القومية، وعليه فهي تُحاول تقليص حضورهم في هذا الحيز من خلال عدم الإعتراف بقراهم، والتخطيط لنقلهم للعيش في قرى قائمة.
في حين ترفض الدولة الاعتراف بملكيّة السّكان للأرض يتمّ انتهاك أكثر حقوق الإنسان أساسيّة لدى سكّان القرى غير المُعترف بشكلٍ يوميٍ ومُمنهج، فهي غير مربوطة بشبكة المياه، أو الكهرباء أو الصّرف الصحيّ، وتُعطى خدمات التّعليم والصّحة والرّفاه فيها بشكل جزئيّ ومنقوص.
إنّ الوضع الإجتماعي والتخطيطيّ الصّعب للبلدات العربيّة البدويّة في النّقب هي نِتاج مباشر للتمييز المتواصل تجاهها والذي يؤثّر على جميع مجالات حياة سكّانها. فمن جهة، ترفض الدّولة الاعتراف بالقرى البدويّة غير المُعترف بها وتخطيطها كما يليق باحتياجات سكّانها، وترفض الكشف عن سياسة التّخطيط العامّة تجاه اراضي هذه القرى، في حين تُبقي الدّولة البلدات المُعترف بها في حالة من الفقر وغياب البُنى التّحتيّة والتخطيط السليم. وفي الوقت ذاته، تعمل الحكومة بشكل مستمرّ على مخطّطات مُختلفة لإقامة مستوطنات يهوديّة جديدة في مختلف أنحاء النّقب، وشقّ طرق، وإنشاء مناجم فوسفات سيقام جزء منها على أراضٍ لقُرى عربيّة بدويّة.
في محيط مدينة بئر السبع هناك حوالي 100 بلدة يهودية لا يتعدى تعداد سكانها الـ 300 نسمة، وجزء منها يعاني من قلّة السكان؛ هذا بالإضافة الى عشرات المزارع الخاصة التي أقيمت دون ترخيص، لكن الحكومة اهتمت بمنحها تنظيمًا تخطيطيًا بعد إقامتها. بالمقابل ترفض الدولة الاعتراف بالقرى البدوية وتستمر في نهج التمييز العنصري تجاه سكانها بحرمانهم من حريّة ممارسة حياتهم بالصورة التي تناسب ثقافتهم وحضارتهم، وتقوم بسلب الأرض منهم محاولةً جمع وتركيز السكان البدو في منطقة صغيرة قدر الإمكان.